و الآن و قد تطوّرت الأمور، و حدثت نقلة نوعية سياسية في العديد من البلدان التي ننتمي إليها في هذا العالم العربي الإسلامي، ننظر إلى هذا الإستشراق بعيون بدأت الغشاوة تنزاح دونها، أي إنه صار في مقدورنا أن نحكم له أو عليه، أن نستخلص منه جوانبه الإيجابية إذا كانت هناك جوانب إيجابية حقا و صدقا، و أن نصدر أحكامنا القاطعة على جميع الّذين حاولوا أن يبقوا علينا في خانة التّخلف المستديم. و انطلاقا من هذا المبدإ، ارتأت مجلّة (معالم) في عددها الثّالث أن تلقي نظرة، و لو موجزة بسيطة، على هذا الموضوع الهام، أن ترصد بعض ما اسجدّ في هذا الشّأن في العام الغربي. و لذلك، وقع خيارها على ترجمة عدد من المواضيع التي عالجت فكر العلّامة الفلسطيني، إدوارد سعيد، (1935-2003)، ذلك الّذي أحدثت ثورة فكريّة عارمة في الوسط الفكري و الأكاديمي عبر العالم كلّه حين نشر بحثه الشّهير (الإستشراق: المعرفة، السّلطة، الإنشاء) في عام 1978. وبالفعل، فلقد أمكن القول إنّ الاستشراق ما عاد ذلك الّذي عرفه العالم، و ذلك لأنّه جاء و ألقى بحجر في البركة الجامدة فأثار الحشرات و الهوام كلّها، حتّى إنّه لم يعد يهدأ لها بال منذ ذلك الحين.